فصل في النجاسات
[92] النجاسات إحدىعشر: الأوّل والثاني: البول والغائط من الإنسان والحيوان ذي النفس السائلة -وهو الذي يقذف الدم بالذبح- من غير مأكول اللحم نجس، والأحوط استحباباً الاجتناب عن بول وغائط ما يحرم أكله ممّا لا نفس سائلة له من الحيوانات كالسمك والضفادع، وإن كان الأقوى طهارتها، وفضلات مثل البقّ والذباب ممّا لا لحم له طاهر قطعاً.
[93] بول وذرق غير مأكول اللحم من الطيور طاهر، والأوْلى الاجتناب عنهما خصوصاً في مثل بول الخفّاش على الأحوط.
[94] بول وخرء الحيوان الجلّال نجس على الأحوط، وإن كان طاهراً على الأقوى، وكذا في موطوء الإنسان، نعم يكون بول وخرء الشاة بل من كلّ حيوان مأكول اللحم قد تغذّى منلبنالخنزيرة -ولو من غير ثديها- محكوماً بالنجاسة علىالأحوط وجوباً. الثالث: المني من كلّ حيوان ذي نفس سائلة -حلّ أكله أو حرم- نجس. الرابع: ميتة ذي النفس من الحيوان وكذا ميتة الإنسان نجسة، سواء في ذلك الموت حتف الأنف أو الذبح بغير ما أمر به الشرع المقدّس، وهذا بخلاف ما لا نفس له مثل السمك، فإنّه طاهر ولو مات في الماء مع أنّه حينئذٍ لم يحلّ أكله، وأمّا لو مات خارجه فهو حلال أيضاً كما أنّه طاهر.
[95] ما لا تحلّه الحياة من الميتة طاهر مثل العظم والشعر والصوف والوبر والسنّ.
[96] ما يقطع من جسد الإنسان أو الحيوان ذي النفس السائلة حال حياته ممّا تحلّه الحياة كاللحم ونحوه نجس.
[97] ما ينفصل من البدن من الأجزاء الصغار التي قد حان وقت انفصالها -كالقشور والبثور على الفم ونحوه- طاهر وإن فصله الإنسان عنه، وأمّا التي لم يحن وقت انفصالها بل تقلع من الجلد بقوّة فهي نجسة على الأحوط وجوباً.
[98] بيض الدجاج الميّت الذي يُخرج من بطنه لو كان قشره الظاهر غليظاً فهو طاهر، ويلزم تطهير ظاهره.
[99] أنفخة رضيع الشاة أو السخلة التي تموت قبل أن تعتلف طاهرة، ويجب تطهير ظاهرها بالماء.
[100] الأدوية غير الجامدة والعطور والصابون والأدهان وغيرها من الأشياء المستوردة من بلاد الكفر طاهرة إذا لم يحصل اليقين بنجاستها.
[101] ما يؤخذ من يد المسلم في سوق المسلمين من اللحم أو الشحم أو الجلد طاهر، وأمّا المأخوذ من يد الكافر فالأحوط وجوباً الاجتناب عنه، إلّا أن يعلم سبق يد المسلم عليه وأنّ الكافر أخذه منه، وما يؤخذ من سوق الكفّار ومن أيديهم فهو محكوم بالنجاسة على الأحوط، إلّا أن يعلم أخذه من بلاد الإسلام، ولو كان أحد هذه المذكورات في سوق الكفّار لكن بيد المسلم فالأحوط لا ينبغي تركه الاجتناب عنه، إلّا أن يتعامل المسلم معها معاملة الطاهر، أو يحتمل تحصيله لطهارتها، وحينئذٍ تكون طاهرة، وكذا يحكم بطهارة ما يؤخذ من المسلم في سوق المسلمين لو علم أنّه أخذه من سوق الكفّار واحتمل أنّه -أي المسلم- تيقّن طريقة ذبحه وأنّها شرعية. الخامس: الدم من الإنسان وكلّ حيوان ذي نفس سائلة -أي الذي يخرج منه الدم بالذبح بقوّة- نجس، فدم مثل السمك والبقّ ممّا لا نفس له طاهر.
[102] الدم المتخلّف في الذبيحة من مأكول اللحم طاهر بعد قذف ما يعتاد قذفه من الدم بالذبح -الشرعي- أو النحر، وليس من الدم المتخلّف ما يرجع إلى الجوف لردّ النفس أو لكون رأس الذبيحة في مكان مرتفع فيكون نجساً، والأحوط استحباباً الاجتناب عن الدم المتخلّف في الأجزاء المحرّمة من الحيوان المأكول اللحم، وإن كان الأقوى طهارته.
[103] الأوْلى الاجتناب عن البيض إن كان فيه قطرة من الدم، وإن كان طاهراً على الأقوى، والأحوط ترك تناول الدم المزبور حتى بعد الامتزاج والاستهلاك، ولو كان الدم في صفار البيض ولم ينخرم ما عليه من القشر كان البياض طاهراً ويحلّ أكله.
[104] الدم الذي يكون أحياناً مع اللبن عند الحلب نجس، وينجّس اللبن.
[105] لو استهلك الدم الخارج من بين الأسنان في الريق كان طاهراً، والأوْلى ترك بلعه.
[106] لو استحال الدم المنجمد تحت الأظفار أو الجلد بالرضّ ونحوه بحيث لايصدق عليه اسم الدم كان طاهراً، وإن كان الفرض المذكور بعيداً، ولو صدق اسم الدم عليه كان نجساً فيما إذا انخرم الجلد أو الظفر وظهر الدم، وحينئذٍ فلو لم يكن في إزالته حرج وجب إزالته للوضوء والغسل، ولو كان في إزالته مشقّة وحرج وجب تطهير أطرافه بنحو لا تسري فيه النجاسة أو تزيد، ويوضع عليه شيء كالجبيرة ويمسح عليها، والأحوط مع ذلك التيمّم، ولو لم يظهر الدم لكن بلغه الماء عن طريق ثقب فلا اشكال وكان وضوءه وغسله أيضاً صحيحين.
[107] لو لم يعلم بأنّ الدم الذي تحت الجلد دم فاسد أو أنّه لحم صار بالرضّ كالدم كان طاهراً.
[108] لو سقطت في الطعام وهو يغلي على النار نجاسة، تنجس بذلك الطعام والإناء معاً، وصرف الغليان بالنار والحرارة لا يكون مطهّراً لهما.
[109] ما يكون حول الجرح حال برءه إذا لم يعلم امتزاجه بالدم فهو طاهر. السادس والسابع: الكلب والخنزير البرّيان نجسان حتى الشعر والعظم والأظفار ورطوباتهما، وأمّا كلب الماء وخنزيره فهما طاهران. الثامن: الكافر -وهو من أنكر اللّه تعالى أو جعل له شريكاً، أو جحد نبوّة خاتم الأنبياء محمّد بن عبداللّه9- نجس، وكذا لو شكّ في ذلك ولم يصدقه. ولو أنكر ضرورياً من ضروريات الدين المبين وكان يعلم أنّه من الدين كان نجساً أيضاً، ولو لم يعلم فالأحوط الأوْلى الاجتناب عنه، وإن كان الأقوى طهارته، ولو جهل حاله وأنّه يعلم وأنكر أم لا فالأحوط وجوباً الاجتناب عنه حتى يتعيّن حاله، ولو أنكر حكماً من أحكام الإسلام حتى المستحبّات منها لو علم بأنّ النبيّ9 قالها ولكنّه قال أنا انكره كان محكوماً بالكفر والنجاسة.
[110] الغلاة في حقّ النبيّ9 وأهل بيته: من الكفّار، والمقصود من الغلوّ الارتفاع بهم إلى مقام الربوبيّة، فإن لم يعتقدوا بذلك أو بحلول اللّه تعالى في أجسامهم لم يكونوا غلاة، وإن كان في تعابيرهم كلمات تخالف المتعارف من عقيدة المتديّنين، فإنّهم لو اعتقدوا بأنّ عليّاً7 مثلاً خالق ولكن المقصود من ذلك أنّه بإذن اللّه تعالى يكون خالقاً، ليس ذلك غلوّاً بل عين الواقع، كما نجد لذلك نظيراً في القرآن الكريم حيث نسب الخلق إلى عيسى7، ولكن الاعتقاد برسالة هؤلاء الأوصياء: بعد النبيّ موجب للكفر أيضاً.
[111] لا يلحق المجسّمة -الذين يعتقدون أنّ اللّه تعالى جسم كسائر الأجسام أو شبيه لها وغير ذلك- بالكفّار إن لم يلتفتوا إلى لوازم قولهم بذلك من عدم الاحاطة وعدم العلم وعدم الحكمة وأخيراً نفي إرسال الرسل و...، وكذا المجبرة -الذين يعتقدون خروج أفعال الإنسان عن اختياره- وغيرهم من المنحرفين.
[112] ظهر ممّا تقدّم أنّ المناط في الحكم بالكفر والإسلام هو الاعتقاد وعدمه بالشهادتين، وأمّا المناط في التشيّع فهو الاعتقاد بلزوم إطاعة عليّ7 والأحد عشر من أبناءه إلى الحجّة بن الحسن أرواحنا فداه، وأنّهم اثنا عشر إماماً واجبوا الإطاعة بعد النبيّ9، وأيضاً الاعتقاد بأنّهم الخلفاء بلا فصل بعد النبيّ9، حتى لو لم يعلم فضائلهم: أو أنكرها عن جهل.
[113] تهمة الكفر والخروج عن الإسلام أو عن التشيّع من الكبائر، فلا يجوز التكفير أو نسبة الخروج عن التشيّع لأحد خارج إطار الحكم المزبور، وإن كنّا نشهد وللأسف ذلك في تاريخ الإسلام كثيراً.
[114] الخوارج -وهم الذين يشهرونالسلاح بوجهالنبيّ9أو الإمام المعصوم7- أيضاً كفّار نجسون، وكذا أتباعهم إن كانوا في هذا الزمان، وأمّا النواصب -أعداء الأئمّة: والسابّون لهم- فهم أيضاً من الكفّار.
[115] الذين يعتقدون بأنّ العالم موجود واحد وأنّه عبارة عن اللّه تعالى، إن كانوا يقصدون بذلك أنّ هذا الباب والحائط والإنسان ونحوها هي اللّه فهم كفّار نجسون، كما قال بعض أهل الكتاب بأنّ عيسى واُمّه مريم هما اللّه، إلّا أنّه لا يعتقد بذلك أي عالم له معرفة مّا بالفلسفة، وإن كانوا يقصدون بذلك أنّ الموجود الأصيل والمستقلّ الذي وجوده الذاتي واحد فقط وأنّه هو اللّه تعالى ووجود ما سواه عرضي -أي إنّ وجود غيره عدم في حدّ نفسه وإنّما يكون لذلك الغير وجود بالارتباط بمصدر الوجود أي الذات الأحدية- فهذا عين التوحيد، والتوحيد الحقّ. ومعنى ما ورد في الأدعية المأثورة: "يَا مَنْ لَيْسَ هُوَ إِلّا هُوَ، وَيَا مَنْ لَا ذَاتَ إِلّا ذَاته" هو ذلك. وكذا لو اعتقدوا بأنّ أصل الوجود بهذا المعنى واحد، أي الاعتقاد بأنّ حقيقة الوجود منحصرة في شيء واحد وهو اللّه تعالى، وأنّ وجود ما عداه عرضي، وأمّإ؛ ژ الاعتقاد بالوحدة السنخية للوجود وأنّه حقيقة واحدة شاملة فلا مانع منه أصلاً، وليعلم أنّ تكفير الأشخاص من الذنوب الكبيرة، ولا سبيل إليه إلّا بالبرهان القاطع عند أهل الفنّ.
[116] جميع بدن الكافر حتى شعره وأظفاره ورطوباته نجس، ولا نعلم بالضبط الحكمة في الحكم بنجاسة الكفّار في الشريعة الإسلامية، فما يقال من أنّ الحكمة في ذلك هي المنع من نفوذهم الثقافي غير معلوم؛ إذ لعلّ الذي أوجب ذلك استباحتهم الخمر ولحم الخنزير وعدم اجتناب بعضهم عن بعض النجاسات ممّا أدّى إلى إصدار حكم عام في الشريعة بنجاستهم فالحكم بالنجاسة عام لجميع أفرادهم وإن كان منشأه النجاسة العرضيّة، وقد ذكرنا الدليل الفقهي على الحكم بنجاستهم في محلّه.
[117] لو كان أبّ واُمّ وجد وجدة الصبي غير البالغ كفّاراً كان الطفل نجساً أيضاً، ولو كان أحد هؤلاء مسلماً كان الصبي طاهراً.
[118] من شكّ في إسلامه وعدمه فهو طاهر، لكن إن لم تكن امارة على إسلامه ولم يكن في بلاد الإسلام لا يجري عليه أحكام المسلمين، فلا يجوز مثلاً للمسلمة الزواج منه ولا يدفن في مقابر المسلمين.
[119] من سبّ أحداً من الأئمّة الاثني عشر: أو فاطمة الزهراء3 أو أظهر لهم العداء كان نجساً، وإن كان من المسلمين بحسب الظاهر. التاسع: الخمر وكلّ مسكر مائع بالأصل نجس، وإن كان جامداً كالحشيش ونحوه فصار مائعاً بالعارض فهو طاهر وإن حرم استعماله مع الاضرار.
[120] الكحول الصناعية المستعملة في صبغ الأخشاب وغيرها طاهرة إن لم يعلم إسكارها أو لم يعلم صنعها ابتداءً من المسكر المائع، وكذا الحكم في الكحول الطبّية، فإنّ الكحول بنفسها وبدون استعمالها في العلاج سمّية ولا يمكن شربها، ولا تعدّ من الناحية الفقهية من المسكرات، وهي طاهرة بأنواعها، نعم لو مزجت بما يجعلها قابلة للشرب بعنوان كونها مسكرة فالأحوط وجوباً الاجتناب عنها.
[121] لو غلى العنب أو العصير العنبي بنفسهما أو بالنار كانا طاهرين وإن حرم أكلهما، والذي غلى بالنار وذهب ثلثاه بها حلّ أكله، ولو غلى بغير النار فلا يحلّ إلّا بصيرورته خلّاً، ومع الشكّ في غليان العنب أو عصيره يحكم بطهارته وحلّيته.
[122] لا بأس بأكل التمر والزبيب وشرب عصيرهما لو غليا وكانت جميعاً طاهرة وحلال، وإن كان الأحوط استحباباً الاجتناب عنها، وكذا الحكم في العنب وعصيره، فإنّ الأحوط استحباباً الاجتناب عنهما. العاشر: الفقاع -وهو شراب متّخذ من الشعير، ويقال له: ماء الشعير- نجس، ولكن ماء الشعير الذي فيه جنبة طبّية -الذي تختلف طريقة اتّخاذه عن طريقة اتّخاذ ماء الشعير- وكلّ ما يشكّ في كونه ماء شعير ومسكر فهو طاهر وحلال، وكذا الحكم في مسحوقه. الحادي عشر: عرق الإبل الجلّالة نجس، والأحوط وجوباً الاجتناب عن عرق كلّ ما اعتاد أكل النجاسة من الحيوانات.
[123] عرق الجنب من الحرام طاهر، سواء كان ذلك في حال الجماع أو بعده، من الرجل كان أو المرأة، من الزنا كان أو اللواط، أو من وطي الحيوان أو بالاستمناء، وإن كان الأحوط وجوباً الاجتناب عن الصلاة في البدن أو الثوب الملوّث به، سواء كانت رطوبته باقية أو كان أثره في الثوب.
[124] لو جامع زوجته في وقت يحرم عليه ذلك كما لو جامعها في شهر رمضان لم يجز له الصلاة في ثوبه أو بدنه إن كانا ملوّثين بعرق الجنابة على الأحوط وجوباً.
[125] لو تيمّم الجنب من الحرام بدل الغسل لعذرٍ، ثمّ تلوّث -بعد التيمّم- بدنه بالعرق، كان عرقه طاهراً، ولا إشكال في الصلاة فيه ما دام العذر باقياً.
[126] لو أجنب من الحرام ثمّ أجنب من الحلال فالأحوط وجوباً الاجتناب عن الصلاة في ثوبه أو بدنه الملوّثين بالعرق، ولا بأس بالصلاة في ذلك لو أجنب أوّلاً من الحلال ثمّ من الحرام.
[127] تثبت نجاسة كلّ شيء بأحد طرق ثلاثة: الأوّل: اليقين أو الاطمئنان بنجاسته، فلو ظنّ بنجاسة شيء لا يجب الاجتناب عنه، وحينئذٍ فالأكل في المقاهي والمطاعم التي يأكل فيها اُناس لا اُباليّون ممّن لا يراعي الطهارة والنجاسة لا إشكال فيه ما لم يحصل اليقين أو الاطمئنان بنجاسة ما يؤتى إليه من الطعام والشراب. الثاني: إخبار ذي اليد بنجاسة ما في يده كإخبار الزوجة أو الخادمة أو غيرهما بنجاسة الإناء الذي في أيديهما أو أي شيء آخر. الثالث: شهادة عدلين بنجاسة الشيء، بل لابدّ من الاحتياط في الاجتناب عمّا يخبر به العدل الواحد أيضاً.
[128] لو لم يعلم حكم الشيء وأنّه طاهر أم لا؟ كما لو جهل حكم عرق الجنب من الحرام وأنّه طاهر أم لا؟ كان عليه التحرّي والسؤال عن ذلك، وأمّا لو علم حكم الشيء ولكن شكّ في موضوعه، كما لو شكّ في أنّ الشيء دم أم لا؟ أو أنّه دم بقّ أم دم إنسان؟ حكم حينئذٍ بطهارته، ولم يجب عليه الفحص.
[129] لو شكّ في تطهير الشيء الذي كان نجساً فالحكم فيه النجاسة، ولو شكّ في تنجّس شيء كان طاهراً فالحكم فيه الطهارة، ولو تمكّن من معرفة نجاسته أو طهارته لم يلزمه الفحص والتحقيق.
[130] لو علم نجاسة أحد الإنائين أو الثوبين مثلاً اللذين في متناوله لزمه الاجتناب عنهما معاً، ولو جهل بأنّ النجس هل ثوبه الذي في يده أو الثوب الذي لا يلبسه أصلاً أو الثوب الذي لا يمكنه الوصول إليه أبداً لم يلزمه الاجتناب عن ثوبه الذي في يده.
|